» » المناهج الكمية والكيفية

نّ إستخدام ما يطلق عليه بالمناهج الكمية يهدف في الواقع إلى الاقتراب من الدقة التي تمتاز بها الرياضيات بصورة خاصة، خصوصاً وأنّ هناك جدلاً ورغبة، جدلاً في إمكانية الارتقاء بالعلوم الإنسانية إلى ما يعرف باليقين الذي تمتاز به النتائج المتحصل عليها في علوم المادة من جهة، ورغبة في محاكاة هذه العلوم من جهة أخرى، وهكذا أصبح استخدام المناهج الكمية عند هؤلاء يعني الدقة والصرامة العلميتين.

ويذهب محمّد قاسم إلى القول: "وقد انتقل الإحساس بأهمية القياس والدقة الكمية في مجال الدراسات والبحوث في العلوم الإنسانية، فمادام العلم يعني بالقياس الكمي الدقيق، فلابدّ من محاولة تكميم الظواهر الإجتماعية وإخضاعها – هي الأخرى – للاختبار والتحقيق التجريبي، فمن الممكن حسب هذا التصور قياس ظواهر إجتماعية مثل الترابط الأسري وتفككه، ارتباط ظاهرة الانتحار بوقائع إجتماعية معيّنة تباين معدلات الانتحار باختلاف الجماعات الدينية والنوعية والعمرية، ومع مرور الوقت تطوّرت أساليب القياس السائدة بين أعضاء الجماعات، كما راحت تتنبأ بمعدل وقوع الجرائم والانحراف واتجاهات السلوك الانتخابي والتصويت.

وقد أشار محيى الدين مختار في كتابه "الاتّجاهات النظرية والتطبيقية في منهجية العلوم الإجتماعية" إلى بعض الدراسات التي تمت في علم الإجتماع بالخصوص المستعينة بالتكميم ومنها دراسة ستيوارت دود التي نشرها في كتابه "أبعاد المجتمع" التي يلخصها محيى الدين مختار بقوله: "في لغة رياضية رمزية حدَّد ستيوارت دون تلك الرموز الآتية، لتعنى مختلف أبعاد الموقف الإجتماعي، فرمز للموقف بالرمز (s)، والزمان بالرمز (t)، والمكان بالرمز (l)، وللناس بالرمز (p)، وللخصائص بالرمز (i) بمعنى (indicators) وبالتالي تتخذ معادلة ستيوارت دود القضية الآتية: إن كل موقف مجتمعي (social situation) إنّما يتضمن الزمان (t) والمكان (l) والناس (p) والخصائص (i) وإذا ما حررنا هذه المعادلة على صورتها اللغوية والتعبير عنها بلغة رياضية نقول: (s=p: i: t: l).

- المناهج الكيفية:

ورغم هذه المحاولات إلا أنّ العلوم الإنسانية في الحقيقة لا يمكنها أن تلغي ذاتها وتصير غيرها، بمعنى أنّ خصوصيتها تبقى دوما ولا يمكنها أن تكون علوماً رياضية أو علوماً لمادة جامدة كانت أم حية، من هنا لا نستطيع الاستغناء عن المناهج الكيفية التي ما تزال تلازم خصوصية هذه العلوم باعتبارها الأنسب للكثير منها، لأنّ هذه المناهج كما يرى موريس أنجرس تهدف في الأساس إلى فهم الظاهرة التي يقوم الباحث بدراستها، كما أنّ القياسات المستخدمة في الظواهر الإنسانية، ومنهما كانت دقة القياسات الكمية المستعملة في قياسها، ستظل محتفظة ببعدها الكيفي. فعندما يتحدّث المرء مثلاً عن درجة الرضى في العمل أو درجة النزعة المحافظة لدى مجموعة بشرية ما، أو الازدهار في دولة ما، وهي كلّها ظواهر لها قياسات حسابية، فإنّ المصطلحات المستعملة هي من طبيعة كيفية وتعود إلى حقائق إنسانية لا تستجيب أبدا للقياسات الكمية التي تمت تهيئتها من أجل ذلك، فالرضى والنزعة المحافظة والازدهار مصطلحات تشير أصلا إلى تقدير الواقع ويبقى الحساب ليس أكثر من مجرّد تكميم.

المصدر: كتاب المعرفة والبحث العلمي (مدخل إلى المنهجية العامّة)

عن المدون Unknown

مدون عربي اهتم بكل ماهوة جديد في عالم التصميم وخاصة منصة بلوجر
»
السابق
رسالة أقدم
«
التالي
رسالة أحدث

ليست هناك تعليقات :

ترك الرد